تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


الدراما التلفزيونية في موسم مضى

فنون
الجمعة 13-12-2019
مع بداية عام 2019 تضاربت التوقعات حول كيف ستبدو الدراما السورية وأي تغيير يمكن أن يطرأ عليها بعد الانتقادات التي طالتها في السنوات السابقة،

وكثيرون من استبشروا بها خيراً وانتصروا لفكرة أنها ستخطو إلى الأمام بثقة وتكون على الوعد مع الجمهور الذي ينتظرها بشغف وحب، ولدى انطلاق موسم العرض الرمضاني الذي عادة ما يكون ميزان تقييم للإعمال أتت بحجم الآمال، واستطاعت تفادي الكثير من المصاعب واحتلت مكانها على العديد من الشاشات العربية، وهنا الحديث عن المسلسلات ذات الإنتاج السوري الخالص والتي تم تصويرها داخل سورية.‏

هذه الدراما التي كان جل اهتمامها خلال سنوات الحرب التي شنت على سورية أن تحافظ على وجودها واستمرارها على الرغم من كل المصاعب والتحديات والعراقيل التي كانت توضع في طريقها بقصد سحب البساط من تحت قدميها، حتى أن عمليات التصوير كانت تتم تحت وابل قذائف الهاون والحصار القاسي، ولكنها سعت للخروج من عنق الزجاجة ونجحت، حتى أن أعمالاً مؤجلة من أعوام سابقة تم عرضها ولقيت صدى لدى الجمهور، وبالتالي استطاعت الدراما السورية ضمن هذه الظروف الانتقال من خانة محاولة الاستمرار إلى خانة أخرى وهي عودة الألق وتكريس المكانة الحقيقية التي تستحق، وكان في ذلك دلالات أن معالم التعافي بدأت تدب فيها وظهر ذلك بوضوح على صعيدي الكم والنوع.‏

سويات متفاوتة‏

شهدت المسلسلات تفاوتاً واضحاً في السوية، وهي سمة لا يمكن الفكاك منها، إلا أن الكفة قد ترجح إما هبوطاً أو صعوداً، واستطاع عدد من الأعمال الاستحواذ على اهتمام شريحة كبيرة ومتنوعة من الناس وهي أعمال جاءت في أغلبيتها معاصرة تحاكي وجع الناس بإطار إنساني، ومنها مسلسلا (مسافة أمان) إخراج الليث حجو و (ترجمان الأشواق) إخراج محمد عبد العزيز، حيث انتصر الناس إلى المسلسل الذي تناول همومهم ومشكلاتهم وحاكى بجرأة هواجسهم، وضم شخصيات من لحم ودم تشبههم وتشبه حياتهم، فالمتلقي كان بحاجة للعمل الذي يحكي عنه ويخاطب عقله ووجدانه، متناولاً موضوعات وقضايا حارة تعكس واقع الحال بشكل أو بآخر، كما استطاع المسلسل الذي تدور أحداثه ضمن إطار البيئة الشامية أن يحفر لنفسه مكاناً في المقعد الثاني عبر أعمال حملت تشويقها وسعت إلى تغيير آلية الخطاب المقدم في مثل هذه الأعمال عادة، ومنها مسلسل (سلاسل دهب) إخراج إياد نحاس، و(شوارع الشام العتيقة) إخراج غزوان قهوجي.‏

وأدلت العديد من الشركات الإنتاجية بدلوها ومنها ما قدم أكثر من مسلسل، حتى أن المؤسسة العامة للإنتاج الإذاعي والتلفزيوني قدمت ضمن إطار مشروع خبز الحياة ستة أعمال درامية متنوعة.‏

نصف الكأس‏

ضمن هذا الإطار نستذكر نتيجة سؤال جاء في الاستبيان الذي أجرته صحيفة الثورة حول مسلسلات رمضان بعد الشهر الكريم، السؤال: (كيف ترى مستوى المسلسلات السورية هذا العام؟) وجاءت الإجابة كالتالي: رأى 54% من المشاركين أنها تطورت، ووجد 31,2% أنها راوحت في مكانها، وذهب 14,7% للقول إنها تراجعت. ما يدل على أن الجمهور قد لمس قفزة استطاعت الدراما السورية تحقيقها ما يعكس رأي الناس بسوية ما شاهدوه كما يعتبر مؤشراً على مدى ثقتهم في منتجهم الدرامي، وكان الانتصار في النسبة الأعلى للأعمال الاجتماعية المعاصرة.‏

ولكن في مقابل النصف المليء من الكأس كان هناك نصف آخر فارغ يتمثل في أعمال (وهي اليوم حاضرة أيضاً) عاشت حالة من المبالغة والتغريب عن الواقع مرتكزة فيما تقدم على مجموعة محاور مثل (التركيز على استخدام السلاح بشكل غير شرعي وترسيخ مفاهيم العنف والموت والقتل وشريعة الغاب وتصوير الثراء الفاحش بحثاً عن الجماليات)، وفي مقابل ذلك ربما المطلوب والأكثر حرارة اليوم تناول موضوعات تحكي عن الوضع الاقتصادي والمعيشي للمواطن، بعيداً عن التكرار واجترار الواقع بشكل مباشر والانتقال إلى شكل مستقبلي أفضل، تناول هموم الشباب والابتعاد عن مظاهر العنف، والسعي لوصف الواقع بجرأة خاصة من ناحية الفساد، والاهتمام بالحياة الاجتماعية في المحافظات إضافة إلى العاصمة، والأهم من ذلك كله تقديم الدعم الحقيقي للإنتاج الدرامي التلفزيوني.‏

مؤشرات‏

ما سبق كله دارت رحاه في النصف الأول من السنة، أي مرحلة استكمال الإنتاج والعرض في رمضان، ولكن هناك النصف الثاني من العام الذي من المفترض أن ينطلق فيه تصوير الأعمال تمهيداً لموسم عام 2020، ولكن ما جرى أن الإنتاج المحلي انحسر لدرجة مخيفة تدفع بنا لدق ناقوس الخطر بجدية، وهنا لا نغفل دوران كاميرا عدد من الأعمال التي يبشر القليل منها بسوية عالية ننتظر رؤيتها على الشاشات، وفي مقدمتها مسلسل (حارس القدس) إخراج باسل الخطيب وإنتاج المؤسسة العامة للإنتاج التلفزيوني والإذاعي، إلا أن شحاً يضرب في عملية الإنتاج مقابل حضور إبداعي سوري في العديد من الأعمال العربية المشتركة، والتي استقطبت اليوم نجوماً عجزت في السابق عن استقطابهم، وفي ذلك كله دلالات على ما وصلت إليه حال آلية الإنتاج والتسويق، وبالتالي سيشهد العام الجديد تحديات قوية تواجهها الدراما السورية بعد موسم خيّر مرَّ عليها.‏

كلنا أمل أن يحمل العام الجديد الأفضل والأهم، فهل تتحرك المياه الراكدة باتجاه بث الوقود في مرجل العملية الإنتاجية لتتغير المعالم باتجاه حضور درامي أقوى؟.. سؤال متروك للأيام القادمة، ولكن مما لا شك أن قطار الدراما العربية يسير قدماً وعلينا أن نكون من أبرز الحاضرين فيه بكل ما يتطلبه العصر من معطيات تلبي الحالة الفنية والبصرية وآلية العرض والمشاهدة والتعاطي مع الصورة ومعالجة الفكرة بإطار يحترم عقل المشاهد.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية