تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


« خُذِ الكتابَ بقوَّةٍ »

ثقافة
الجمعة 13-12-2019
ليندا ابراهيم

كنت في مرحلة دراستي الثانوية الأولى، حينما قرأت «مترجَمةً»، رواية «الأبله» لدوستويفسكي، بجزأيها اللذين اصطحبهما شقيقي معه، فيما اصطحب، من كتب عديدة لأعلام الأدب الروسي فترة دراسته هناك،

وكان من ضمن ما قرأتُ لإيفان بونين «الدروب الظليلة»، و لإيفان تورغينيف «أجمل السفن»، ورحى الحرب» لقسطنطين سيمونوف»، و»الأم» لمكسيم غوركي، وأعمال «ألكسندر بلوك» الشعرية، إلى آخر ما رسخ في عقلي ونفسي من كل ما قرأت، ولاتزال مكتبة المنزل تحتفظ بقسم كبير منها، وقتذاك جرفتني رواية الأبله، وقرأتُها مراراً، كما كنتُ أفعلُ بكل ما أحبُّ من كتب، كما لا أنكر تأثري بأجواء القصص والروايات تلك، لدرجة أن نفسي احتفظت بأجواء قصة «الدروب الظليلة» مثلاً، وبعد حوالي عقد ونصف من الزمن وجدتها في مكتبة بمنزل صديقتي، فاستعرتها ثانية حيث أعدت قراءتها بالشَّغف نفسه وأكثر، وكتبتُ تأثراً بها قصيدتي التي عنونتها «الدروب الظليلة»، ولاحقاً، ستكون لي وقفة مع تعلم الروسيَّة، والاطلاع على هذه اللغة الجميلة الرائعة، مترسخة في عقلي تلك المقولة التي تقول من كان بالفطرة قوياً بلغته الأم فسيكون قوياً وعاشقاً بالفطرة لكل لغة يتعلمها شغفاً وحباً وعشقاً... فكيف بمن كان الأدبُ ديدنَهُ، والشِّعرُ هاجسَهُ، والإبداعُ والكتابةُ همَّهُ الشَّاغلَ، واللغةُ تحديداً والتمكُّنُ منها دأبَهُ؟ وكان ذلك، واطلعت فيما اطلعت على بعض النصوص الأدبية بالروسية لأول مرة، وتحديداً قصة «ليف تولستوي» «القيصر والقميص»، و»قلب دانكو» لغوركي، فتذوقت حلاوة وطلاوة اللغة الروسية، والنصوص بلغتها الأم، وبالوقت نفسه كنتُ اطلعُ على مدونات للشعر بلغة أخرى هي الأميركية، لأبرز الشعراء، فكنت أنتقي بذائقتي الأدبية النصَّ بلغته الأم لأقوم بترجمته إلى العربية لاحقاً، لكن نفسي لازالت تحتفظ بتلك النصوص التي رسخت فيها منذ الطفولة، والتي شكَّلَت ليس وعيي المعرفيَّ والإبداعيَّ فحسب، بل بدايات غراسِ مشروعي الفطريِّ، ولاحقاً الأدبي بشكله الجليّ.‏

ولا أنسى هنا أن أذكرَ لقارئي الكريمَ كم أعدتُ استعارةَ وقراءة رواية «الثلج يأتي من النافذة» ورواية «الشراع والعاصفة «لحنا مينه، من مكتبة قريبي، وبعد حوالي عقد من الزمان اقتنيتها مع مجموعة الروايات الكاملة للكاتب نفسه، كما أعدت قراءتها لاحقا لمرات ومرات لشغفي وإيماني بالنور الآتي من عالم الكتب ونافذة الأدب والذي كان يضيء لي زوايا عقلي الكامنة، والتائقة لهذا العالم المليء بالسحر والخيال والمتعة والذي يخلق لي أجنحة من ضوء، وممالكَ من خيال، وفضاءاتٍ من توق للمستحيل والمغامرة ومحاولتها يوماً بعد يوم وعاماً إثر آخر، حتى أدمنتُ القراءة والكتابة والكشف عن مفاوز العقل البشري وإبداعاته التي سبقني إليها كبار المبدعين والأدباء، ولاحقاً ستغترف نفسي من مختلف موضوعات الكتب في الفكر والميثولوجيا والشعر والأدب والسياسة... متعة الكشف والقراءة وإغناء العقل والفكر التي لا تعادلها متعة، ولا تقوى على قوتها الكامنة أقوى وأعتى آلات التكنولوجيا والحروب والروبوتات الغبية التي ترسِّخُ لدى العقل الجمعي أنها هي الأذكى وأن الإنسان الذي اخترعها هو العبد لها، فكل كلمة وكل عبارة وفكرة بأي لغة يقرؤها المرء لإبداعات العقل البشري هي كشف جديد، كشف لتجربة جديدة مر بها كاتبها، كشف ينير العقل فتتسع المدارك وتنمو الأفكار في بيئة تخصب شيئا فشيئا بفعل القراءة، وتصقلها الكتابة والتدوين لتغدو هي بحد ذاتها تجربة جديدة لها نكهة صاحبها... الأمر الذي أثار هذا كله من مكامن الخاطر الآن، ما عرض لذاكرتي للتو مما قرأت عن قصة إعدام «دوستويفسكي» وكيف حالت الأقدار في اللحظة الأخيرة من أن ينفذ الحكم وينجو من الموت إلى حكم الأشغال الشاقة المؤبدة، وقد عاش تلك اللحظات الرهيبة على كل عقل ونفس بشرية، وبكل تفاصيلها وهو المصاب بالصرع، وكيف لاحقا سيوظف تلك اللحظات التي قارب فيها الموت ولامسه، وكيف يقاربه مع كل نوبة ليكتب ويبدع ما سارت به الركبان وملأ الآفاق والمكتبات والعقول والأحاديث وسير النقاد والكُتَّاب والذَّوَّاقة، لأخلص لما قلته أكثر من مرة في عدد من المواضع أن الكتابة محنةٌ ولهذا هي فعل حياة...الكتابة جرح نازف.. الكتابة أن تكتب جرحك وهو ينزف.. الكتابة أن تكتب بحبر جرحك النازف.. قد يكون الجرح دامياً وقد يكون وضيئاً بالنور... وقد يكون معمَّداً بنار المعرفة وشعلة العقل المقدسة... الكتابة أن تغمس يراع قلبك في حبر روحك لتكون كاتباً حقاً.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية