تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


رأي ...العقــل البشــري.. مـــن التدجيـن إلـى المســخ..

ثقافة
الاحد 12-5-2019
ديب على حسن

من المعروف أن أهم العلوم والمعارف التي تهتم بها جميع الجهات التي تعمل سبر أغوار النفس البشرية ومعرفة آليات التفكير..أهمها على الإطلاق العلوم النفسية والفلسفية والاجتماعية وبمعنى آخر العلوم التي تعنى بترويض الانسان والبحث عن الطرق التي تقود إلى ذلك واذا كان علم النفس من زمن قد تصدى المهمة وقد حقق نجاحات مهمة في هذا الإطار فإنه لم يبق وحيدا في الساحة بل مع تطور العلم والمعارف الأخرى ولاسيما الطب وتفرعاته جعل التكامل ضروريا لكشف العقل البشري وكيف يعمل..

ولأن الانسان جرم صغير لكن فيه انطوى العالم الأكبر، كان لابد من العمل على تفكيك شيفرات النفس والعقل والكشف عن آلياته وقد حقق إنجازات مذهلة في هذا المجال منذ أن ساد علم النفس الميدان.. وكان بيير داكو واحدا من هؤلاء العلماء وقد ترجم كتابه الانتصارات المذهلة لعلم النفس إلى اللغة العربية، ترجمه وجيه اسعد وأصدرته وزارة الثقافة السورية.‏‏‏

‏‏‏

ومن ثم يمكن الإشارة إلى كتاب تكنولوجيا السلوك الإنساني لسكينر وقد صدر عن سلسلة عالم المعرفة الكويتية..وفي هذين الكتابين المهمين الكثير من المعطيات المذهلة لعلم النفس...بعد ذلك توالت الإنجازات العلمية ودخل علم الاعصاب إلى الميدان..‏‏‏

واليوم غدا الامر واقعا بعد أن تم تحديد الكثير من خلايا الدماغ وعملها وهذا أتى من خلال أبحاث اهتمت بها أجهزة مخابرات عالمية..‏‏‏

واليوم وقد قطع العلم في هذا الإطار شوطا كبيرا وصل إلى تحديد آليات الفكر وأساليبه ومضى اليوم إلى مكان آخر مع الإنجازات التي جاءت من الذكاء الالي والبرمجة التي قطعت أشواطا كبرى في هذا المجال..‏‏‏

من هنا يمكننا الوقوف عند بعض العناوين في هذا المجال لاسيما أن الثورة المعرفية تتفجر كل لحظة وتزداد ثراء وقد اصبح الانسان ميدانا لعلوم شتى كلها تعمل على إعادة هندسته من يوم اخترع الآلة التي سطت عليه وأحالته إلى تابع لها، إلى اليوم وقد وضع العلماء نصب عيونهم تحويله إلى آلة صماء تبرمج تحول الى جهاز متحرك لكنه مربوط بنبضات التحكم من المكان الذي برمج فيه.‏‏‏

هذا ليس خيالا ابدا لكنه واقع يمضي قدما كل يوم إلى مناطق أخرى كلها تستند إلى التطورات التي ينجزها تضافر العلوم كلها لاسيما في مجال الثورة الرقمية التي جعلتنا مجرد خلايا تستعد لتلقي نبضات معينة ليثور المرء أو يبكي أو يبدو حيوانا هائجا لايمكن ضبطه وقد بدا ذلك واضحا من خلال ماسمي حروب الجيل الرابع أو الخامس وكانت تطبيقاته على قطعان الإرهاب التي عاثت قتلا وتدميرا بسورية.‏‏‏

وعمل مهندسو التدجين والمسخ على المزيد من الادوات والوسائل التي تتجدد مع كل ثورة علمية ولم يبق اي لون من ألوان العلوم والمعارف الا وشارك بها ولكن أكثرها حضورا كان الإعلام مختزنا كل ما في الخطاب الموجه من شيفرات وبالتالي مهما كان المدجن أو الممسوخ بعيدا فلا يهم الامر كل ما يحتاجه أن ترسل إلى خلاياه نبضات تفعل ما تمت برمجته عبر سنوات من العمل..ولتبدأ حفلات الثيران في حقول البنفسج أو الفيلة في معامل الخزف..‏‏‏

انها آليات الاستلاب التي تطورت وغدت مسخا لكل شيء.. وربما يسأل أحد ما: وماذا عن آليات الصد التي يجب أن تقاوم.. هذا ما يدعونا للبحث في حقول معينة تتجه إلى وعي الانسان لاسيما الإعلام الذي غدا الأداة الاكثر فتكا وقدرة على التدمير وحسب رسالة الممول.‏‏‏

ولكن الحقيقة تقول ان من يقود عمليات المسخ هو الأكثر قدرة على التخطيط والنفاذ إلى حيث يريد وبقينا في عوالم الإنشاء..‏‏‏

من هنا لابد من الوقوف عند بعض الانعطافات وآليات التحول.‏‏‏

انعطافات..‏‏‏

في كتابه المهم جدا الذي جاء تحت عنوان: الثقافة العربية وعصر المعلومات لمؤلفه نبيل علي..يتوقف المؤلف عند محطات ومنعطفات في تأثير الآلة على الإنسان ويشير إلى الحداثة وبحثها في العقل وما تركته من آثار ولاسيما في الفلسفة لينتقل بعدها إلى ما بعد الحداثة التي عملت على إلغاء كل ما قدمته الحداثة ولاسيما تلك السرديات الكبرى في الأحداث العقائدية والفلسفية وحسب ما بعد الحداثة يجب إعادة إنتاج كل شيء مهما كان صغيرا أو كبيرا...وهذا ما يمكن الوقوف عنده مطولا لاسيما في إعادة إنتاج الانسان بكل معارفه وتحويله إلى مسخ وأشنيات طائرة في مهب الريح.‏‏‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية