تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


أطفــــالنا وتداعيـــات ظـــروف الحــرب

مجتمع
الخميس5-12-2019
نيفين عيسى

تركت سنوات الأزمة والحرب الإرهابية على سورية آثاراً على عدة مستويات ، من بينها تلك المتعلقة بالأطفال ، والذين عانى معظمهم من القلق والتوتر والافتقاد للشعور بالأمان، خاصة أولئك الأطفال الذين تعرضوا لإصابات أو فقدوا أقارب لهم أمام أعينهم ، وهي حالات انعكست على تحصيلهم الدراسي وسلوكهم اليومي وعلاقتهم بأقرانهم ، فيما يميل البالغون إلى التقليل من أثر الصدمة النفسية على الطفل، من باب أنه لا يعرف أو لايفهم ، متناسين خطورة الأثر السلبي للصدمة على الصغير.

نائلة موعد ربة منزل أم لأربعة أبناء أوضحت أنّ ابنها خليل كان في السنة السادسة من عمره عند بداية الأزمة ، وأُصيب شقيقه بدر إصابة بالغة بشظايا قذيفة، وتأثّر بذلك المشهد المأساوي حيث بات يواجه مشكلة في النوم ويعاني من الكوابيس التي يستيقظ منها وهو يصرخ ، ثم تحوّل تدريجياً إلى السلوك الانطوائي، ولم يعد يرغب بالدراسة وحاولت الأسرة مساعدته بكافة الوسائل ،حتى تمكّن من تجاوز أزمته النفسية بعد أكثر من سنتين بشكل جزئي وانتظم في دراسته ، لكنه مازال يحب العزلة ولايرغب بالتحدث إلى الآخرين.‏

ميول للتمرد وتراجع في الدراسة‏

سعاد ابراهيم تعمل مدرسة للمرحلة الابتدائية ، أشارت إلى أنّ غالبية الأطفال أصبحوا خلال الحرب أقل انضباطاً في المدرسة سواء بالنسبة للدوام أو التحضير للدروس و التعاون مع المدرسين، ويحمل بعضهم سلوكاً عنيفاً تجاه الزملاء ، إضافة إلى أن معظم التلاميذ يميلون للألعاب العنيفة أو تلك التي يقلدون من خلالها مشاهد الحرب والقتال ، وهو ما يؤدي إلى تراجع البراءة في سلوكهم وانتقالهم للتفكير بجوانب تتجاوز مرحلتهم العمرية.‏

جابر المصري»أعمال حرة» تعرض مع عائلته للتهجير وانتقلوا للسكن في مركز للإيواء المؤقت ،ثم استأجروا منزلاً ، وبطبيعة الحال تنتقل العائلة من منزل إلى آخر كلما انتهى عقد الإيجار، وهو ما تسبّب بعدم استقرار نفسي لدى ابنه جواد الذي أصبح غير مُهتم بالتواجد في المنزل ويمضي معظم وقته في الشارع، وظهرت لديه ميول لإيذاء الآخرين سواء داخل المنزل أو خارجه ، وقد لجأ جابر لمحاولة تصويب سلوك ابنه بعدة طرق ، من بينها دمجه في الوسط العائلي من خلال زيارات الأقارب وحثّه على التواصل مع أقرانه من ذوي السلوك الجيد، إضافة إلى اصطحابه في بعض الرحلات.‏

بدورها نوهت رؤى فرهود بأنّ ابنتها رهف تُعاني من القلق والاضطرابات النفسية بعد استشهاد والدها ، و تأثرت دراستها بشكل سلبي وتراجع تحصيلها العلمي بشكل كبير، وأصبحت ترسم القذائف والرصاص بدلاً من الورود والدمى والأشجار وتتحدث دائماً عن رغبتها بالذهاب إلى الجنة ، وقد لجأت رؤى لطبيب نفسي لمعالجة ابنتها من آثار الصدمة ، وبدأت حالة الطفلة تتحسّن تدريجياً لكنها لم تعد بعد إلى الوضع الطبيعي.‏

تتسبّب الحروب باضطرابات لدى الأطفال مثل القلق والخوف والاضطرابات السلوكية ، وهي نتيجة حتمية للأطفال الذين عايشوا ظروفاً استثنائية ، كما أن مشاعر مثل الإحباط واليأس والتمرد والعنف قد تتولد في ذات الطفل نتيجة ما يُعانيه من فقدٍ وخوف، ويؤكد الأطباء أن تعرض الطفل للحرب والإرهاب يسبب اضطراب الضغط النفسي الحاد واضطراب ما بعد الصدمة ، حيث يُظهر الأطفال المعرضون للحرب معدلاً أعلى من الاضطرابات العقلية مقارنة بالأطفال من عموم السكان.‏

وتلك الآثار السلبية للأزمة تتطلب جهوداً مشتركة (أهلية وحكومية) لمساعدة الأطفال على الخروج من دائرة التأثيرات السلبية للحرب التي انعكست على نفسيات الأطفال وسلوكهم.‏

وحول ما تقدم يوضح الدكتور أنور علي الأستاذ في كلية التربية - قسم علم النفس ـ بوجود آثار تربوية ومعرفية واجتماعية واقتصادية ، تؤثر حسب المراحل المتوسطة والمتأخرة على الأطفال ، و الأكثر تأثيراً على الأطفال هي المراحل المتوسطة والمتأخرة ، حيث يُشكّل الأطفال خلالها انتماءاتهم واتجاهاتهم الاجتماعية وتتشكل الشخصية.مبينا أن الآثار السلبية للحرب تنعكس من خلال مشاهد العنف او تلك التي يسمعون عنها، وهذه الآثار تُكوِّن سلوكاً عدوانياً تجاه الزملاء بالمدرسة او تجاه العائلة ، وذلك من خلال العنف وتحطيم الاثاث بالمنزل.‏

حدوث اضطرابات سلوكية‏

وبالنسبة للعلاج والتخفيف من الآثار النفسية للطفل ، ذكر الدكتور علي أن ذلك يكمن في تقديم واعتماد برامج توعوية ،إرشادية ، للتخفيف من شِدّة الأزمة على الطفل ويتم ذلك بالتنسيق بين الجانب التربوي بالمدرسة اضافة الى الاسرة ، ففي المدرسة اتجاهات نحو تفريغ القوة البدنية بالرياضة وكذلك التسجيل بالنوادي والتخفيف من الضغط النفسي بمشاركة الأطفال بفعاليات اجتماعية وبعض الحفلات والنوادي الموسيقية ، بهدف التخفيف من حِدّة الانفعال لديهم ، كما أنّ على الأسرة مُتابعة الطفل أولاً بأول من خلال ما يشاهده على الانترنت والتلفاز ، فليس من المناسب مُتابعة مشاهد العنف حتى لو كانت أفلاماً للأطفال، وفي حالة الأطفال فوق العمر المتوسط يُمكن أن يخضعوا لبرامج توعوية ارشادية مابين ادارة المدرسة والأسرة ، ويكون فيها تواصل وتنسيق بينهم ليتمكنوا من التخفيف من حدّة انعكاس الازمة النفسية على الطفل.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية