تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


حمى الجفاء

عين المجتمع
الاحد 31-3-2019
منال السماك

بعد معاينة سريرية لجسد مجتمع يعاني من أعراض متلازمة انكسار قلب، وفتور حراري في أطراف المشاعر، وخشونة في مفاصل التواصل، وتنافر مزمن بين أعضائه، تم تشخيص حمى جفاء تسللت بصمت إلى أنحاء ذاك الجسد ،

لتعيش خلاياه في عزلة بمحض إرادة ، وتنصرف لاعتكاف في صومعة زاهدة في نسج علاقات ذات إخلاص وإيثار ومحبة ولهفة ، مع مقربين ومحيط تشقق نسيجه جراء بعد و جفاء ، و تكسرت أصوله و فروعه من صقيع مشاعر.‏

في أودية متفرقة توزعنا منفردين ليغني كل على ليلاه وحيدا ، لا يسمع إلا إيقاعات ذاته ، و لا يبصر إلا وجه نرجسيته الغارقة في الأنا حتى الصمم و البكم و نكران الحواس، وعلى مشارف صوامعنا دونا عبارات صد و تحصين، و مددنا أسلاكا شائكة كحماية من متسللين محتملين يبغون الوصل «ممنوع الإزعاج.. البعد عن الناس غنيمة.. صباح الخير يا جاري انت بحالك و أنا بحالي.. لحالي أحلالي.. فخار يكسر بعضه.. بلا ناس بلا وجع راس «في انسحاب تكتيكي من علاقات اجتماعية كانت قوية قبل هجوم وسائل التواصل الاجتماعي لتغزو بيوتنا ، و تستحوذ على ساعات يومنا دون رحمة لشبكة علاقات اجتماعية، تغذي أرواحنا بعشرة حقيقية تكون سندا وعونا في الملمات وأنيسا لضيق الأرواح.‏

العشرة الالكترونية سحبت البساط من تحت العشرة الحقيقية ، و انتصرت عليها دون خوض معركة ، و بكل يسر رفعت الشبكة العنكبوتية رايتها الزرقاء احتفاء بالنصر على أشلاء صداقاتنا ، و أنقاض صلة أرحامنا و أطلال حق جيراننا ، فالوقت بالكاد يتسع لتصفح الصفحات الزرقاء ، و امطارها باللايكات و الكومنتات و البحث في السمايلات عما يترجم مشاعرنا الالكترونية الباردة ، توددا لعشرة أباعد أغراب ذات طفرة اجتماعية معاصرة ، كنا من أتباعها و أنصارها باستلاب ناعم لعقولنا.‏

ابتعدنا كثيرا عن بعض و جدران الجفاء زادت ارتفاعا ، و بالكاد بتنا نسأل عن أصدقائنا و نجهل من يجاورنا أبواب بيوتنا ، و آخر من يعلم بأخبار أرحامنا ، و مشاعرنا باتت حبيسة وجوه و قبلات كرتونية جوفاء ، فزمان الوصل قد ولى.. والدواء عصي على الجفاء..‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية