تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


إرهاب واشنطن الاقتصادي والتكامل مع الإرهاب التكفيري في سورية

دراسات
الجمعة 30-8-2019
عبد الحليم سعود

في تكامل بين دور الارهاب التكفيري الذي استهدف سورية خلال ثماني سنوات من عمر الحرب وبين الدور الأميركي العدواني عليها، أطلت واشنطن من جديد بوجه آخر من وجوه الغطرسة والعدوان أو ما يمكن أن يطلق عليه العدوان أو الارهاب الاقتصادي، وذلك بالتزامن مع تنظيم الدورة 61 لمعرض دمشق الدولي،

المعرض الذي يعدّ أبرز وأقدم وأعرق المعارض الاقتصادية في الشرق الأوسط، وذلك بهدف منع سورية من استعادة حيويتها وعافيتها ونشاطها الاقتصادي استعدادا للدخول في مرحلة إعادة اعمار ما دمرته الحرب الارهابية المدعومة من قبل واشنطن وحلفائها، وفي هذا السياق دخلت السفارة الأميركية بدمشق والمتوقفة عن نشاطها منذ عام 2011 نتيجة التورط الأميركي بالحرب على سورية، على خط هذا الارهاب مهددة الشركات والأشخاص والهيئات الاقتصادية المشاركة بالويل والثبور وعظائم الأمور.‏

تغريدات وقحة‏

ولعل أوقح ما ورد في تغريدات السفارة الأميركية الموجهة للمشاركين بهدف تبرير هذا العمل غير القانوني هو الادعاء بأن الحكومة السورية ستستخدم الموارد المالية الناجمة عن فعاليات المعرض ونشاطاته وتعاقداته في عمليات عسكرية وهجمات ضد من تطلق عليهم «مدنيين»، لتكشف واشنطن مرة جديدة عن دعمها المعلن ووقوفها الصارخ إلى جانب الجماعات الارهابية التكفيرية المتبقية في شمال غرب سورية وتحديدا في محافظة إدلب، حيث يشن الجيش العربي السوري عملية عسكرية واسعة النطاق في هذه المنطقة لطرد فلول الارهاب منها وإعادة الأهالي الذين هجرهم الإرهابيون منذ سنوات عديدة إلى بلداتهم وقراهم وبيوتهم وحقولهم.‏

من الواضح أن هذا الارهاب الاقتصادي الأميركي المتجدد والذي يستهدف معرض دمشق الدولي والمشاركين فيه من دول ومؤسسات وأفراد هو حلقة من حلقات الحرب الاقتصادية الظالمة التي تشنها الولايات المتحدة على سورية ضمن ما يعرف بقانون «سيزر» أو «قيصر» الذي أقره مجلس النواب الأميركي عام 2016 وتم تفعيله بقوة وبإجراءات اقتصادية عقابية في السنوات الماضية تحت عنوان مضلل جديد هو «قانون حماية المدنيين» في سورية، في الوقت الذي تشير فيه كل المعطيات والأرقام إلى أن الشعب السوري الذي تدعي واشنطن حمايته كان المتضرر الأكبر من هذه العقوبات، بعد أن ساهمت بخلق وإنتاج أزمات عديدة في سورية ولاسيما في قطاع النفط والغاز والأعمال والنقل الجوي وغيره.‏

قانون سيزر‏

ففي العام 2016 أقر مجلس النواب الأميركي بالإجماع «قانون حماية المدنيين» أو ما يعرف بقانون «سيزر» ونص على فرض عقوبات على الحكومة السورية والدول التي تدعمها مثل إيران وروسيا مدة 10 سنوات. وقد صوت مجلس النواب الأميركي على تفعيل هذا القانون مرة أخرى في العام 2019 من أجل فرض عقوبات جديدة على حلفاء سورية في مجالات الطاقة والأعمال والنقل الجوي، وجاء في بيان توضيحي للخارجية الأميركية آنذاك أنه «بموجب قانون سيزر، سيُطلب من الرئيس الأميركي فرض عقوبات جديدة على أي شخص أو جهة يتعامل مع الحكومة السورية أو يوفر لها التمويل، بما في ذلك أجهزة الاستخبارات والأمن السورية، أو المصرف المركزي السوري».‏

كما جاء في البيان أيضاً أن القانون يشمل الجهات التي توفر الطائرات أو قطع غيار الطائرات لشركات الطيران السورية، أو من يشارك في مشاريع البناء والهندسة التي تسيطر عليها الحكومة السورية أو التي تدعم صناعة الطاقة في سورية.‏

ردود فعل شعبية‏

من المعلوم أن الحرب الارهابية على سورية قد عطلت تنظيم معرض دمشق الدولي دورات عديدة، ولكن مع انتصارات الدولة السورية وحلفائها على الارهاب وطرده من مساحات واسعة في سورية، استعاد المعرض نشاطه بقوة في العام 2017 وكان رد السوريين وتفاعلهم مع المعرض كبيرا جداً ومفاجئاً لدرجة حدوث أزمات مرور خانقة على الطرق المؤدية لمدينة المعرض بسبب زحف مئات آلاف المواطنين السوريين الذين تدعي واشنطن حمايتهم لمشاهدة المعرض والمشاركة في فعالياته ونشاطاته واستعادة ذكرياته المحفوظة في وجدانهم لتسجل دفاتر المعرض أرقاما قياسية في أعداد الزائرين له في أبرز وأقوى رد من الشعب السوري على الذين يحاصرونه ويفرضون على بلده إجراءاتهم القسرية الظالمة المخالفة للقانون الدولي لكونها صادرة عن جهة لا تلقي بالا للقانون الدولي ولا مؤسساته الشرعية، وهذا ما لفت انتباه الولايات المتحدة مرة جديدة إلى أهمية هذا الحدث الاقتصادي الضخم في مواجهة العقوبات الأميركية وفي طريق استعادة الحيوية والنشاط والتعافي للمؤسسات الاقتصادية السورية وبما يسرع عجلة الإنماء والاعمار التي عطلتها الحرب خلال السنوات الماضية.‏

مفاجأة غير سارة للأميركيين‏

رغم أن التهديدات الأميركية للمشاركين بالمعرض قد سبقت افتتاحه بأيام، إلا أنها لم تؤثر كثيراً في فعالياته ولم تقلل من أهميته وعدد المشاركين فيه، بل ثمة من رأى بتغريدات السفارة الأميركية الوقحة وتهديدات وزارة الخزانة الأميركية نوعاً من الدعاية المجانية للمعرض وتذكير عدد لا بأس به من شعوب العالم بالأهمية الاقتصادية والحضارية التي ينطوي عليها هكذا حدث، وخاصة أن سورية ما تزال تحارب الارهاب وتحقق في الحرب عليه نتائج كبيرة، ومن المفاجآت غير السارة للأميركيين هو زيادة عدد الشركات المشاركة وانضمام دول جديدة يصنفها الكثيرون ضمن حلفاء وأصدقاء واشنطن، ما يعني بصورة أو بأخرى اقتناع الكثير من الدول بعدم جدوى الحرب على سورية، وفشل واشنطن في تنفيذ وتمرير أجنداتها العدوانية، وهذا يضاف إلى رصيد الفشل الأميركي على مستويات عديدة.‏

يذكر أن تغريدات السفارة الأميركية جاءت محملة بالتهديد والوعيد للمشاركين من عقوبات اقتصادية قد تطولهم جراء المشاركة في معرض دمشق الدولي، كما طلبت ببضع تغريدات إرسال أسماء الشركات أو رجال الأعمال المشاركين بفعاليات المعرض إلى البريد الالكتروني العائد إلى مكتب مراقبة الأصول الأجنبية في وزارة الخزانة الأميركية.‏

وخلصت السفارة في بيان لها إلى أن «الشركات التجارية أو الأفراد الذين يخططون للمشاركة في معرض دمشق التجاري الدولي، يجب أن يكونوا على دراية بأنهم إذا قاموا بإجراء تعاملات تجارية مع الحكومة السورية الخاضعة للعقوبات أو مع المرتبطين بها، فقد يتعرّضون هم أيضا لعقوبات أميركية».‏

وقد لاقى هذا السلوك الأميركي الفظ استهجاناً من قبل روسيا التي اعتبرت وزارة خارجيتها أن المحاولات الأميركية لتعطيل معرض دمشق الدولي ضارة بسورية، وتندرج ضمن محاولات لحجب جهود القيادة السورية لإعادة اعمار البلاد وهو ما يتعارض مع روح قرار مجلس الأمن الدولي ذي الرقم 2254 الداعي لتوفير ظروف الحل السياسي في سورية، بما في ذلك رفع العقوبات وحالة الحصار.‏

حدث مهم وعريق‏

ويكتسب حدث تنظيم معرض دمشق الدولي على مدار سنوات طويلة أهمية خاصة من نوعها في الشرق الأوسط، وقد تم استئناف المعرض في عام 2017 بعد أن توقف نحو ست سنوات بسبب الحرب، ويقام المعرض هذا العام في الفترة ما بين 28 آب إلى 6 أيلول القادم، وتم تأكيد مشاركة وفود من 38 دولة على الأقل.‏

يذكر أن معرض دمشق الدولي يقام سنويا في دمشق منذ عام 1954 وفي هذا العام بلغ دورته الحادية والستين.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية