تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


رأي..بين الماضي والحاضر ..النص وإشكاليات العقل والتفكير

ثقافة
الجمعة 13-12-2019
عبدالمعين محمد زيتون

مازلنا إلى يومنا هذا نسمع أو نقرأ بين الفينة والأخرى عن ظواهر اجتماعية أو صحية أو طبية وعلمية لاتتسق مع تقبل العقل لها ، ولكنها مازالت تلقى أذنا صاغية وعين قارئة ..

يتصل الحديث بالنص أيضا ..‏‏

‏‏

إذ أننا نسمع ونقرأ اليوم نصوصا معاصرة هي أبعد ماتكون عن قبول العقل لها في مختلف نواحي الحياة.‏‏

وإذا كان صحيحا ما يقوله علم الاجتماع الحديث ، من أنه لا توجد قراءة محايدة للنص ، فنحن نقرأ على خلفيات علمية وثقافية ، لكن الصحيح أيضا أن ثمة نصوصا تحتمل الاختلاف ، وأن ثمة نصوصا تصدم العقل والتفكير معا !‏‏

فمن اللامعقول أن نصدق اليوم أن شخصا ما يمكنه شفاء المرضى بلمسهم بيده ، ونندهش أكثر حين نرى بعض الصحف ووسائل الإعلام والإعلان بهؤلاء وبغيرهم ، وهي تحتفي بهم .‏‏

وأمثلة هؤلاء أكثر من أن تحصى ، في الطب والطبيعة والجغرافيا والفلك والاقتصاد والسياسة .‏‏

ولا شك أنه لدى أي منا عشرات الأمثلة المليئة بالأوهام والخرافة والأساطير التي تحاصرنا وتأسرنا ، وكلها تقوم على الظن والاعتقاد بوجود علاقات خفية هي المسؤولة عن الربط بين الظواهر الطبيعية والاقتصادية والاجتماعية .‏‏

ومما لا شك فيه أن العقل والتفكير السليم يدفعنا دوما إلى الدراسة والتحقق والتثبت من العلاقة بين الظواهر الطبيعية وغيرها من ظواهر الواقع المحسوس لا المتخيل.‏‏

وإذا كان لمن سبقنا العذر في إرجاع بعض أسباب الظواهر لأمور وعلاقات خفية بين الظواهر والحالات الكائنة في زمانهم ، نظرا لبعدهم عن العلمية والمنهج العلمي في البحث ، فليس لنا اليوم في هذا العصر أي عذر .‏‏

فقد أصبح التفكير علما قائما اليوم ، يمكن توظيفه من أجل الكشف واكتشافات العلاقة بين الظواهر المختلفة في العلوم الإجتماعية والعلوم البحتة ، وغيرها ، بهدف السيطرة والإفادة من الموارد ووضعها في خدمة الإنسان .‏‏

ولعل أولى خطوات التفكير الصحيح المعافى ، تكمن في عدم التسليم وقبول كل مايقال أو مايكتب ، وأخذه على علاته ، إذا لم يكن له سند علمي وعقلي ظاهر ، فالإنسان كائن يصيب ويخطئ ، وليس من الصحيح أن كل مايقوله قطعي ونهائي ، والقول بأن رأي من سبقنا صحيح دوما ، هو قول غير صحيح ، فالرأي القديم كان لجيل عاش في وقت وظرف لم تكن البشرية قد اكتسبت من الخبرة والعلوم ماحصلته اليوم ، فالرأي هو العلم والخبرة المتراكمة ، وبالقياس ، فإن الأجيال القادمة سوف يكون لها خبرات أوسع مما هو لدينا الآن .‏‏

وإذا كان معروفا أن هذا التوجه الفكري صحيح بالفعل ..‏‏

وأن علماء وفلاسفة عصر النهضة الأوربية كديكارت وغاليلو وبيكون قد اشتغلوا عليه وأرسوا قواعده وأسسه ومنهجيته ..‏‏

لكن الحقيقة المعروفة أيضا حتى عند الفلاسفة وعلماء الغرب ، هي أن الفلاسفة العرب سبقوهم في هذا المنهج الفكري بمئات السنين ففي موضوعة الشك في رأي ورؤية الأقدم يقول « ابراهيم النظام «(الذي توفي في العام ٨٦٩ م ) :‏‏

« لم يكن يقين قط حتى صار فيه شك ، ولم ينقل أحد من اعتقاد إلى اعتقاد حتى يكون بينهما شك « .‏‏

أما الجاحظ المتوفى (سنة ٨٦٩ م) ، فيقول :‏‏

« وتعلم الشك في المشكوك فيه تعلما ، فلو لم يكن ذاك لا تعرف التوقف ثم التثبت ، والعوام أقل شكوكا من الخواص لأنهم لايتوقفون عن التصديق ولا يرتابون بأنفسهم ، فليس عندهم إلا الإقدام على التصديق المجرد أو التكذيب المجرد «‏‏

وهذا غيص من فيض منهج فلاسفتنا ومفكرينا الأوائل الذين سبقوا الأمم الناهضة في العصور الوسطى وسبقوا علماءهم ومفكريهم وفلاسفتهم بمئات السنين ..‏‏

فهل بوسعنا اليوم أن نتثبت الرأي والنص بعد شك؟‏‏

أم أننا سنمضي - كما نحن - خلف أمم الأرض ؟!‏‏

عن ما يسمى الرأي العام ( الشارع ) ، نسأل !.‏‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية