تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


متحفان.. وأكثر..

إضاءات
الثلاثاء 15-10-2019
سعد القاسم

تعبر ممراً بإضاءة خفيضة وكأنك تترقب زمناً مضى، وقبل أن تغادره تطالعك لوحة تعمق ذاك الإحساس فقد كتب عليها: (عزيزي الزائر.. نرحب بكم في المتحف المدرسي للعلوم..

نحن ليس غايتنا تشجيع صيد الحيوان.. نحن مع الحفاظ على البيئة الحيوانية في العالم.. لكن هذه المحنطات صادها الصياد حسين الأيبش منذ مئة عام، وأحببنا أن نحتفظ بها للقيمة العلمية).‏

يستنهض ذاكرتك اسم حسين إيبش قبل أن تدلف إلى قاعات المتحف المدرسي للعلوم الذي خصص طابقاً كاملاً لما اصطاد. وتقاطع القليل مما عرفته عنه قبل نصف قرن مع الكثير (الناقص) الذي تحكيه عنه المدونّات. ومنها شهادة تقدير من الدورة الأولى لمعرض دمشق الدولي عام 1958 لمشاركته فيه بجناح خاص يذكر من عاصر تلك الدورة كم كان مثيراً للاهتمام، فقد كانت المرة الأولى التي يشاهد فيها أبناء دمشق حيوانات إفريقية وهندية محنطة بإتقان مذهل، حتى تكاد تبدو حية، قد احتفظ الإيبش بهذه المحنطات فيما يشبه متحفاً منزلياً في بيته القائم خلف سينما السفراء بدمشق، والذي يشغله اليوم المعهد النقابي المركزي للعمال، وقد أوصى بأن تهدى هذه المحنطات إلى الدولة ويقام لها متحف خاص، فنقلت إلى بيت السباعي وبقيت فيه حتى عام 2007 حين رآها الفنان موفق مخول، خلال ملتقىً للرسامين كان يقام في البيت الأثري. ونجح بحكم عمله في وزارة التربية، وعلاقته الوثيقة بمحافظة مدينة دمشق كونه عضواً في مجلسها في إقناع المسؤولين في الجهتين بإقامة متحف مدرسي لهذه المحنطات، وهذا ما حصل وبالتعاون مع حفيد الإيبش عمر فائز الإيبش افتتح المتحف المدرسي للعلوم في العام ذاته ليكون نواة مشروع التجمع الثقافي التربوي المستمر حتى اليوم، فانضم إليه عام 2012 المركز التربوي للفنون ولوحة إيقاع الحياة، ومكتبة دمشق التربوية، والحديقة التبادلية للكتاب واللوحة الجدارية دمشق السلام عام 2018، ثم منصة دمشق التربوية وصالة الفن المعاصر.‏

ولد حسين الإيبش في دمشق عام 1884 من أسرةٍ اشتُهرت بالعمل الزراعي، وتجارة الخيل، وعمل مع والده بنفس المهنة، وكانت مشاريعه الزراعية واسعة فكان أوّل من أدخل الآلات الزراعية إلى سورية، وأولى عناية لتطوير البذور والنباتات، وشيّد سداً لتجميع مياه نهر الأعوج لإرواء مشاريعه الزراعية بقريتي الهيجانة والبيطارية في غوطة دمشق الشرقية. وأنشأ مدرسة للتعليم المجاني في قرية الهيجانة على نفقته، وفي المجال الوطني شارك في الدعم المادي والمعنوي للثورة السورية الكبرى، وكان إلى كل ما سبق شغوفاً بالرياضة، وأوّل من أدخل رياضة كرة القدم إلى سورية، وتمتلك أسرته أوّل كرة قدم دخلت الملاعب السورية عام 1905.‏

بين عامي 1914 و1926 قام برحلة نحو مجاهل إفريقيا والهند لاصطياد الحيوانات والوحوش المفترسة والطيور على أنواعها، بهدف نقل أجواء البيئة الإفريقية والهندية، وتأسيس متحف متخصص بهدف البحث العلمي، وجرت عمليات التحنيط في إنجلترا، وكانت النتيجة مجموعة كبيرة من الحيوانات والطيور، بعضها نادر وبعضها انقرض، يحتفظ المتحف المدرسي بما أمكن ترميمه منها، بعد سنوات من الإهمال وظروف التخزين السيئة أضاعت معظمها، ضمن قاعات مشغولة بأناقة تعرض تلك الحيوانات والطيور في إطار بصري مشابه لبيئتها الأصلية بالاستعانة برسوم كبيرة على الجدران أنجزها ببراعة أحد العاملين الموهوبين المغمورين الذي يعمل في المتحف.‏

وللحديث تتمة..‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية