تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


ستون المعهد والكلية / 3

اضاءات
الثلاثاء17-3-2020
سعد القاسم

أُشير الأسبوع الماضي إلى ما أورده الدكتور عفيف البهنسي في مذكراته التي أصدرتها مؤسسة (وثيقة وطن) عن رأيه بالتأثير غير الإيجابي للفنان الإيطالي غيدو لاريجينا على طلاب المعهد العالي للفنون الجميلة (كلية الفنون الجميلة لاحقاً)، حيث اعتبر أنه أضاع المقياس بالنسبة للطلاب الجيدين.

ويذكر د. بهنسي في المذكرات ذاتها أنه صوَّت في مجلس الكلية لإنهاء عقد لاريجينا، وقد تم هذا فعلاً. حينذاك كان الفنان محمود حماد، عضو المجلس، خارج سورية، وعند عودته أبدى انزعاجه من القرار. والملفت هنا أنه مباشرة إثر هذا الحديث عن تناقض وجهتي النظر يسترسل البهنسي في الحديث عن خصال محمود حماد الإبداعية والإدارية حتى يصل إلى القول: (لم يمرّ على كلية الفنون شخص بمستوى محمود حماد إطلاقاً مع تقديري لبعض الأشخاص الذين كانوا يحاولون، ولكن ميزة محمود حماد أنه كان موضع احترام الجميع، وهو يستحق التكريم بأكثر مما تمّ، رغم أنه قد نال وسام الاستحقاق السوري).‏‏

تصعب الإحاطة، في هذا الحيز الضيق، بتجربة محمود حماد الفنية البالغة الأهمية في إبداعها وريادتها وثراها، غير أنه من الضروري التوقف عند ما قيل عن تحولات هذه التجربة بتأثير لاريجينا. وقد يشكل استياء حماد من قرار الاستغناء عن لاريجينا دعماً لهذا القول. غير أن أكثر من حقيقة تدحضه في مقدمتها أن علاقة محمود حماد بالفن الإيطالي تسبق قدوم الفنان الإيطالي إلى دمشق بسنوات كثيرة، فقد سافر إلى إيطاليا عام 1939، وهو في سن السادسة عشرة، بغية الاطلاع على الفن ودراسته، غير أن ظروف الحرب العالمية الثانية أجبرته على العودة. وفي عام 1953 أوفد الى روما لدراسة التصوير الزيتي في أكاديمية الفنون الجميلة. وشارك خلال دراسته هناك في عدد من المعارض. وعن هذه المرحلة التي تمتد حتى عام 1957 يقول: (هذه المرحلة بالنسبة لي فترة دراسة أكثر مما هي مرحلة بحث عن أسلوب خاص، إنها محاولة لفهم أعمق لما يجري في عصرنا من تجارب فنية). الحقيقة الثانية تقدمها مسيرة تجربته التي شهدت أربع مراحل أساسية تطورت خلالها من الأسلوب الواقعي الانطباعي وصولاً إلى الأسلوب ميّز مرحلتها الأخيرة، والقائم على التعامل مع الحرف، والكلمة، كعنصر تشكيلي في لوحة معاصرة. وعلى هذا فإن ذلك الأسلوب الذي وصف بالتجريدي لم يكن انعطافه مفاجئة في مسار تجربته، وإنما نتيجة طبيعية للمراحل التي سبقتها. وهذه الحقيقة تقودنا إلى الحقيقة الثالثة وهي الاختلاف البنيوي بين (تجريد) حماد، وتجريد لاريجينا.‏‏

لماذا اعترض حماد إذن على إنهاء عمل لاريجينا في كلية الفنون الجميلة؟‏‏

الجواب يكمن في طبيعة حماد الديمقراطية الرحبة المنفتحة التي أتاحت له أن يجمع في شخصه صفات يندر أن تجتمع في شخص واحد: الروح المبدعة، الثقافة الواسعة، النزاهة، اللطف، التهذيب، الحزم، الأناقة، الكفاءة الإدارية، والموهبة القيادية، وهي الخصال التي تحدث عنها كل من عرف حماد، ومنهم الفنان نذير نبعه الذي قال:‏‏

(إن المراحل الأربع في إنتاجه الفني تعد من أهم البصمات الواضحة في تاريخ حركتنا التشكيلية، وكان له بجدارة فضل خلق هذه الاتجاهات في تيار الحركة الفنية وتدعيمها بثقافته الواسعة كمثقف، وأبوته النادرة كمعلم، وثقته النبيلة كفنان، وقدرته الفذة على العمل، وإيجاد المنهج والطريق في أصعب الظروف، وأقل الإمكانات وفي كل الأمكنة: فناناً، وأستاذاً وعميداً لكلية الفنون الجميلة، ورئيساً لقسم الفنون أو عضواً في لجنة ما.. ودائماً كان له صدر الكلام، بل كان صدر المكان حيث هو يكون، ذلك أن مكانه كان سعى إليه، ولم يسع هو إلى الأمكنة التي شغلها)..‏‏

وللحديث تتمة..‏‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية